وضع داكن
31-05-2025
Logo
الدرس : 87 - سورة البقرة - تفسير الآيات 261-269 الإنفاق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

المال في فلسفته هو قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السابع والثمانين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الواحدة والستين بعد المئتين، وهي قوله تعالى: 

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)﴾

[ سورة البقرة ]

أيها الإخوة الكرام؛ بعد الإيمان لا شيء يعلو الإنفاق، آمنت بالله فلابدّ من التقرُّب إليه، ولابدّ من دفع ثمن جنَّته، تتقرب إليه بالإنفاق، وتدفع ثمن جنةٍ عرضها السماوات والأرض بالإنفاق، والإنفاق بالمعنى الواسع إنفاق كل شيءٍ تملكه؛ إنفاق علمٍ، وإنفاقُ خِبرةٍ، وإنفاق مالٍ، وإنفاق وقتٍ، وإنفاق جهدٍ، وإنفاق وجاهةٍ، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ولكن الإنفاق إذا أُطلِق انصرف في الأعمّ الأغلب إلى إنفاق المال، والمال قيمةٌ مطلقة، كيف؟ إنسان درس الطب ثلاثةً وثلاثين عاماً، امتلك خبرةً في معالجة المرضى، يأتيه مريض يعالجه يأخذ منه ألف ليرة، هذه الألف ليرة قيمة علمٍ دامت ثلاثةً وثلاثين عاماً، إنسان نقل بضاعة من مكان إلى مكان، أخذ ألف ليرة، هذه الألف الثانية نقل بضاعة، إنسان أصلح آلة أخذ ألف ليرة مثلاً، إنسان علَّم درس رياضيات أخذ ألف ليرة، فقيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري، المال في فلسفته قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري.
 

الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه:


إنسان عنده بضاعة لها ثمن، إنسان عنده مواد زراعية لها ثمن، إنسان عنده خبرات لها ثمن، إنسان عنده خدمات لها ثمن، فأنت حينما تأخذ أجراً على عملك هذا الأجر يساوي جهدك، مثلاً: نقلُ سيارة رمل من مكان إلى مكان يُكلِّف ألف ليرة، فالألف الليرة جهد بشري، فهي قيمةٌ مُطلقةٌ لهذا الجهد، فمعناها أنت حينما تُنفق هذا الألف ماذا أنفقت؟ أنفقت جهداً، أنفقت جُهداً يساوي أربع ساعات بعملٍ شاق، فأنت أنفقت جهداً مُضنياً، حينما أنفقت الألف أنفقت جهداً، الطبيب إذا أنفق ألفاً أنفق علمه، والمدرس إذا أنفق ألفاً أنفق علمه أيضاً، والمحامي أنفق علمه، والمهندس أنفق علمه، والبائع أنفق خبرته في الشراء والبيع، والصانع في صناعةٍ مُعيَّنة، والذي أدَّى الخدمات أنفق خدماته مقابل ألف، فالمال قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ﴾ أي كأن الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه، أنفِق حبةً يأتِك مئة ألف حبَّة، يأتِك سبعمئة ألف، يأتِك أعدادٌ لا تعد ولا تحصى، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾ .
 

الآية التالية تُشَجع المؤمنين على الإنفاق:


أنا مرَّة كنت في الغوطة الشرقية، أطلعني أخٌ كريم صاحب بستان هناك على حبةٍ أنبتت خمساً وثلاثين سبلَة، أخذت سبلةً واحدةً، وفرطتها، وعددت حباتها فإذا هي خمسون قمحة، ضربت خمساً وثلاثين بخمسين، معنى هذا أن حبة واحدة أنبتت ألفاً وسبعمئة وخمسين حبة، أي أن الله عزَّ وجل إذا أعطى أدهش، بعلم الزراعة في القديم الكيس يعطي عشرة أكياس، وعشرين كيساً، وثلاثين كيساً، مرة أعطى سبعين كيساً، والآن يعطي الكيس كيساً، أو كيسين، أو ثلاثة أكياس، فالله عزَّ وجل يضاعف لمن يشاء، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ أيْ أيها الإنسان اعرف أنك إن أنفقت شيئاً ضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، هذه الحقيقة تحتاج إلى إيمان، أنت حينما تؤمن أن كل شيءٍ تُنفقه يضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، وحينما تؤمن أن كل شيءٍ تُنفقه يعلمه الله عزَّ وجل، أنت بحاجة إلى حقيقتين: إلى حقيقة أن الله يعلم، وأن الله سيعوض، لذلك لا يوجد إنسان مؤمن إيماناً قوياً إلا ويبادر إلى الإنفاق لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم، وأن الله سيُضاعف أضعافاً كثيرة.
والله أيها الإخوة؛ سمعت قصصاً حول هذه الآية واللهِ لا تعد ولا تحصى، والله عشرة أضعاف الحد الأدنى، وأضعاف مضاعفة لا يُحصيها إلا الله عزَّ وجل نظير الإنفاق، وكأن هذه الآية تُشجع المؤمنين على الإنفاق.
 

قيمة العمل منحصرةٌ في النيَّة:


﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)﴾

[ سورة البقرة ]

الإنفاق، هناك إنفاقٌ كثير ليس في سبيل الله، من أجل أن تنال إعجاب الآخرين، من أجل أن تلفِت نظرهم، من أجل أن تعلو بينهم، من أجل أن تستزلمهم، من أجل أن تملك ولاءهم، من أجل أن تُحَقِّق مآربك معهم، من أجل أن تستخذيهم، وهناك إنفاقٌ في سبيل الله، الإنفاق في سبيل الله يحتاج إلى إيمانٍ كبير كي يتولَّد عن هذا الإيمان الكبير نيَّةٌ خالصةٌ لله عزَّ وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: 

((  عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ   قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». ))

[ صحيح البخاري  ]

أي أنّ قيمة العمل مُنحصرةٌ في نيَّته فقط، ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى﴾ الإنسان لضعف إخلاصه يَمُنُّ على مَن أعطى، قد يقول له: لحم كتفك من خيري، لولا عطائي لما كنت إنساناً محترماً، لولا عطائي لما نلت هذه الشهادة، لولا عطائي لما كنت تاجراً، كل ما عندك من خير بسببي، هذا هو المَن، أن تًذكِّر الذي أعطيته بعطائك مرة وراء مرة وراء مرة حتى يتأذَّى، وحتى يخرج من جلده مَنّك، ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الإخلاص لا يتأتَّى إلا من إيمان، والإيمان أساسه التوحيد، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، وحينما تعمل لوجه الله الكريم لا تحتاج إلى مَن يمدحك، ولا إلى مَن يُثني عليك، ولا تحتاج لا إلى رخامةٍ تُعلَّق على جدار المسجد، ولا إلى كتاب شكرٍ، ولا إلى تنويهٍ في جريدة، إنك تبتغي بهذا وجه الله عزَّ وجل، وتحتسبه عند الله.
 

كلما ضعف إخلاصك علا صوتك بالعمل الصالح:


﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في الطريق الموصل إلى الله، يُنفِق ماله ليُقرِّب الناس إلى الله، يُنفِق ماله ليُعرِّف الناس بالله، يُنفِق ماله ليُطعم المحتاجين والفقراء في ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى﴾ لا يتكلَّم، قاعدة ذهبية؛ اصنع معروفاً مع إنسان، ينبغي أن تنسى هذا المعروف وكأنك لم تفعله، أما إذا صُنِع معك معروف، ينبغي ألا تنسى هذا المعروف، حاول ألا تنسى الذي أخذت وأن تنسى الذي أعطيت، معظم الناس على العكس، مهما قُدِّمت لهم من خدمات ومن أعمال طيبة هي في طيّ النسيان، أما إذا فعلوا فعلاً طيباً يملؤون الدنيا صُراخاً وبياناً، ولفت نظرٍ، وإشارةً إلى هذه الأعمال، كلما ضَعُف إخلاصك علا صوتك بالعمل الصالح، كلما ضَعُف إخلاصك أردت أن تنتزع إعجاب الآخرين بعملك الصالح، لذلك هذا الذي يريد أن يُعْلِن عن أعماله ضعيفٌ في إخلاصه، بعيدٌ عن مرضاة ربه، لا يراقب الله في أعماله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ هذه فقط للتوضيح، إذا قلتُ لك: لك أجرك عند المَلِك، المَلِك ماذا يعطي؟ يُعطي عطاءً كبيراً، أقل عطاء له بيت أو مركبة، أقل عطاء، لك أجرك عند الملك، أي عند من يعطي بلا حساب، عند من يعطي عطاءً ثميناً، فكيف إذا كان أجرك عند ملك الملوك؟! ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .
 

من أَجَلّ القربات عند الله عزَّ وجل إنفاق الأموال:


أيها الإخوة الكرام؛ إن من أَجَلّ القربات عند الله عزَّ وجل إنفاق الأموال، الأموال    -كما قلت في بداية الدرس-تعبيرٌ عن جهدٍ بشري، أحياناً مُدرِّس يجلس مع الطالب ساعتين أو ثلاثاً، ويتقاضى خمسمئة ليرة، إذا رأى فقيراً فأعطاه هذه الخمسمئة ليرة، ماذا أعطاه؟ أعطاه أربع ساعات من جهده، من التركيز، من محاولة تفهيم هذا الطالب الكسول، هذا جهدٌ كبير، هذا الجهد قبض ثمنه خمسمئة ليرة، حينما أنفقها أنفق جُهده، لذلك: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في المستقبل، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على الماضي. 
أي ما من آيةٍ تملأ القلب طمأنينة كهذه الآية: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في المستقبل، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾   في الماضي، المستقبل مغطى بعدم الخوف، والماضي مغطى بعدم الحُزن.
 

درءُ المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع:


الإنسان يتحسَّر أحياناً على شبابه الضائع الفائت، ويخاف المستقبل المُظلم، هذه حالة أهل الإعراض عن الله عزَّ وجل، نادمٌ على كل شيء، خائفٌ من كل شيء، المؤمن بالعكس، لا يخاف في المستقبل لأن الله ضَمِن له المستقبل. 

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾

[ سورة التوبة ]

لا يندم على الماضي لأن خَطَّه البياني صاعدٌ بانتظام، ولأن الزمن في مصلحته، إن الزمن يُقرِّبه من جنَّة ربِّه.

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)﴾

[ سورة البقرة ]

أي أنت إذا اعتذرت بأدبٍ جم، أو إذا نصحت، أو إذا ابتسمت، أو إذا وجَّهت، أي ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ تعرفه النفس أنه حق، ﴿خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ أي درءُ المفاسد مُقدّمٌ على جلب المنافع، الصدقة فيها نفع للمتصدِّق، إذا درأت المفاسد لم تَمُنَّ ولم تؤذ أفضل من أن تتصدق وأن تَمُنّ وتؤذي، لذلك قال الله تعالى: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ .
 

الصدقة تبطل بالمنِّ والأذى:


هذا الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، هذا الخلط أمره إلى الله عزَّ وجل، ليتها لم تزنِ ولم تتصدق، أي مثل، فليتك لم تنفق ولم تَمُنَّ على هذا الذي أنفقت، إذا أنفقت ينبغي أن تسكت، هناك قاعدة عامة: إذا عملت عملاً صالحاً ينبغي أن تصمت، وأن تحتسب هذا العمل لله، أما الحديث: أعطيته، منحته، وهبته، فضّلت عليه، لولاي ما صار رجلاً، لا، يصير رجلاً،  كلام فارغ يقوله معظم الناس، لحم أكتافه من خيري مثلاً، ما هذا الكلام؟!! كلامٌ فيه بعدٌ عن الله عزَّ وجل، ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ﴾ عن هذا المتصدق ﴿حَلِيمٌ﴾ على مَنِّه وأذاه، الله عزَّ وجل يحلم على معاصي العباد، غني عن صدقة هذا المتصدق، أي:

﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)﴾

[ سورة محمد ]

 ثم يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)﴾

[ سورة البقرة ]

أي فالصدقة كما قال بعض العلماء: تَبْطل بالمنِّ والأذى، تنعدم قيمتها، لا يقبلها الله عزَّ وجل، قال بعض العلماء: لا يكتبها مَلَكُ الحسنات إذا كان معها مَنّ وأذى.
 

المنُّ يُوصل إلى الأذى:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ أي المن الذي يُوصِل إلى الأذى، مننت عليه مرة، وثانية، وثالثة، ورابعة فخرج من جلده وقال: لقد آذيتني بهذا المن، أو أن بعض العلماء يقول: بالمنُّ أن تُذَكّره بعملك الطيب، ثم تقسو عليه في الكلام، ما شكرتني!! ما أعلنت ذلك أمام الناس، ما بيَّنت، ما نوَّهت، فتقسو عليه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هذا الرياء، أي إذا كان هناك جمهور ينفق ماله، واللهِ سمعت عن رجل أمام الجمهور ينفق مئات الألوف، أما أقرباؤه الأدنون في أمسِّ الحاجة إلى المال لا يُنفِق عليهم شيئاً، لأن أقرباءه إذا أنفق عليهم لا يعلم أحد بهذا، أما إذا كان بحفل كبير وصار تبرُّعات مئة ألف، مليون، مرة سمعت باحتفال لجمع التبرعات أسمع ملايين، بعضهم لم يدفع شيئاً، قال هذا بلسانه ولم يُصدّق هذا بعمله، ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ لماذا راءى؟ قال: ﴿وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ لو آمن بالله واليوم الآخر لما احتاج إلى أن يُرَائي الناس، لما احتاج إلى أن يُظهِر عمله الصالح أمامهم، لما احتاج إلى أن ينتزع إعجابهم، لما احتاج إلى أن يُذكِّرهم بعمله كي يثنوا عليه.
 

إذا أنفقت من مالِك ولم تشعر بسعادةٍ معنى ذلك أن الإخلاص ضعيفٌ:


﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ﴾ أي حجر أملس عليه تراب، هذا التراب هو العمل الصالح، ﴿فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ جاء مطرٌ غزير فأزال التراب عن هذا الحجر، فرجع الحجر صلداً أملس لا تُراب عليه، ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ هذه الآية تنقلنا إلى حقيقةٍ دقيقة أنك إذا عملت الصالحات، وعملت الصالحات، وأنفقت من مالِك، وخدمت الناس، ولم تشعر بسعادةٍ إطلاقاً، فمعنى ذلك أن الإخلاص ضعيفٌ جداً، وأنك تبتغي بهذا إرضاء الناس، وكسب ثنائهم، أما إذا أردت الله عزَّ وجل فلا تحتاج إلى كل هذا.
 

من لم يحقق لنفسه شيئاً من مرضاة الله فهو بعيد عن الإيمان بالله:


﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ حجر، ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ مطرٌ، ﴿فَتَرَكَهُ صَلْداً﴾ أملس، ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ أي لا يقدرون على شيءٍ من الإقبال على الله مما كسبوا لأنهم منافقون، لأنهم بعيدون عن الإيمان بالله، الإيمان الذي يحملك على الإخلاص له، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ والمنافقون في الأساس هم كافرون. 
 

المال بيد المؤمن له دورٌ كبيرٌ وخطير:


ثم يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)﴾

[ سورة البقرة ]

يا إخوان؛ المال بيد المؤمن له دورٌ كبيرٌ وخطير، أنت بإمكانك أن تُعَزز مكانتك عند الله بإنفاق المال، بإمكانك أن تَصطلح مع الله بإنفاق المال، بإمكانك أن تُثبِت مكانةً عند الله بإنفاق المال، ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ .

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾

[ سورة الإنسان ]

لا يبتغون بإنفاق المال إلا وجه الله تعالى، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي:

 إذا كنت عنا راضياً فهو قصدنا         وكلٌّ يقول أنت في الحِبِّ حِبُّنا

[ أبي المواهب الشاذلي ]

 * * *

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ                  وليتك ترضى والأنام غضاب

[ أبو فراس الحمداني ]

* * *

أي الإخلاص معه سعادة لا توصف، لأن الإخلاص أنت حينما تعمل عملاً مُخلصاً به هذا العمل يصعد إلى الله، فإذا صعد العمل إلى الله يعود عليك من الله أنوارٌ تُقذف في قلبك، وراحةٌ تتلبَّسها نفسك، تشعر بسعادة كبيرة جداً، فالذي يعمل عملاً صالحاً مخلصاً لا يشعر بحاجة إلى ثناء الناس، ولا إلى شكرهم، ولا إلى مدحهم، هو في غنىً عن كل ذلك، لأن الله ملأ قلبه أمناً وطمأنينةً، وملأ قلبه سعادةً.
 

بإنفاق المال يثبِّت الإنسان لنفسه مكانة عند الله:


﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)﴾

[ سورة البقرة ]

أي أراد أن يُثبِّت مركزه عند الله بإنفاق المال، لذلك أنفق المال فيما بينه وبين الله، أنفق المال بيمينه ولم تدرِ شماله ماذا أنفقت يمينه، أنفق المال سِرَّاً، أنفق المال بلا ضجيج، أنفق المال فيما بينه وبين الله، ثَبَّت مركزه عند الله بإنفاق ماله.
أحياناً يمرض مدير دائرة ما مثلاً، بعض الموظَّفين يذهب إلى المستشفى ومعه باقة ورد، لو سألته بعمق: لماذا فعلت هذا؟ يقول: أردت أن أُعَزِز مكانتي عند المدير، وأنا موظَّف مخلص يؤلمني ما يؤلمك، وقد تقرَّبت إليك بهذه الهدية، ﴿وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ الطل هو الندى، ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي الطل يكفيها، والوابل يُغنيها، إنسان أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم. 
يا إخوان شيء بيد الناس جميعاً، وربَّ درهمٍ سبق ألف درهم، درهمٌ تُنفقه في إخلاص خيرٌ من مئة ألف درهم يُنفق في رياء، درهمٌ تنفقه في حياتك خيرٌ من مئة ألف درهم يُنفَق بعد مماتك، قد يُنفَق وقد لا يُنفق، فأنت حينما تنفق المال تثبيتاً من نفسك عند الله عزَّ وجل.
بالمناسبة، يمكن أن تُنفق القليل وهو عند الله كثير إذا كنت صغيراً، لك دخلٌ محدود،  ليس لك دخل، معك مبلغٌ من أبيك أنفقته هذا يعدِل عند الله ملايين، فقيمة المال بمعناه لا بحجمه، أي إن جاء الوابل –المطر-آتت أكلها ضعفين، وإن لم يأتِ الوابل فالطل يكفيها.
 

إنفاق المال رئاء الناس يجعله الله يوم القيامة هباءً منثوراً:


يا أيها الإخوة؛ أما الشيء الخطير: 

﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)﴾

[ سورة البقرة ]

ما قولك إنسان بمجلس، بحفلة أنفق مليوناً، وشخص آخر أنفق مئة ألف، ودفعها، يوم القيامة هو في أمسِّ الحاجة إلى هذا الإنفاق، ينظر إليه وقد جعله الله هباءً منثوراً، بَطَل عمله، ينظر إلى عمله الذي راءى فيه الناس، أنفق ماله رئاء الناس، فإذا الله عزَّ وجل قد جعله هباءً منثوراً لأنه ما أخلص، كما لو أن إنساناً ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ﴾ أي بستان رائع جداً من نخيل، والنخيل أشجار مُعمّرة، وقد تعيش ستة آلاف عام، ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أيْ ينبوع ماء غزير، ماء رَقْراق، بستان جميل، أشجار مثمرة، بستان له رَيْع كبير، لو باع فاكهته لضمَّنها بأموال طائلة.
 

الإنسان المرائي المنافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً:


﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ تقدَّم في السن فعجز عن العمل، ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ﴾ أولاد صغار كثيرون، ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ أي بعد أن أصابه الكِبَر، وبعد أن قَبَع في البيت، وبعد أن استراح من الكسب، كل أمله بهذا البستان الذي له ثمار يانعة وموارد كبيرة، وهو في أمس الحاجة إلى هذا البستان، وإلى فاكهته ورَيْعِه، أصاب هذا البستان إعصارٌ فيه نارٌ فاحترق، وذهب كل ثمر هذا البستان، ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ﴾ تشبيه رائع جداً، أي قد يخيب أملك بعمل صالح وأنت في أمس الحاجة إليه، قد يُحْبَط عملك وأنت في أمس الحاجة إلى هذا العمل كما قال عليه الصلاة والسلام: 

(( عَنْ ثَوْبَانَ: لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا. ))

[ ابن ماجه: صحيح ]

فإذا الإنسان فيما بينه وبين الله يعصيه، وفيما بينه وبين الناس يُطيعه، هذا إنسان مراءٍ منافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً، هو يطيعه ليحفظ مكانته عند الناس، لا يطيعه محبةً له، ولا يجتنب المعاصي خوفاً منه بل خوفاً على سمعته، إذاً هذا إنسان لا قيمة له عند الله.
 

الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً ولا يقبل منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال:


قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)﴾

[ سورة البقرة ]

أي إن الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً، لا يقبل الله منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال، ومن كَدّ حلال، ومن سعيٍ حلال، أما الذي يُنفق ماله من أموال ليست حلالاً، وليس كسبها مشروعاً، لعله أنفق من مالٍ رِبَوِيّ، أو من فائدة مالٍ رِبوي، يقول الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أنفق المال الحلال، أنفق الرزق الحلال الذي سعيت لجلبه بطريقٍ مشروع، ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ طبعاً هذه زكاة الزروع، ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ أكثر الناس الشيء السيئ صدقوا أنه في رمضان إنسان قدَّم لمسجد أحذية كي تُوزَّع على سبيل الزكاة، كل فردة نمرة، جمع من محله التجاري خلال عام النماذج غير الصحيحة، إحدى الزوجين أربعون والأخرى اثنتان وأربعون، جمعها في كيس وأرسلها إلى مسجد، هذه أين مكانها؟ في الحاوية طبعاً، إنسان يُقدِّم أحياناً ثياباً بالية، أي مستعملة استعمالاً كثيفاً، عنيفاً، ما مكانها؟ في الحاوية، إنسان يُقدّم طعاماً تعافُه النفس، هذا شيء يتناقض مع كمال الإيمان.
 

الإنفاق في سبيل الله يجب أن يكون من شيء نفيس حتى يعوِّضكم الله أضعافاً مضاعفةً:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ أي تقصدوا ﴿الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ أحياناً فاكهة في أول فسادها، أنت تشتريها بسعر عالٍ؟ أبداً، لو كان كيلو التفاح فرضاً بخمسين ليرة، تشتري التفاح على وشك الفساد بخمسين؟ تقول له: الكيلو بعشرة، هذا يستعمل لصناعة الخل، أي أنت البضاعة السيئة لا يمكن أن تشتريها إلا بثمنٍ بخس، ﴿أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ أي أن تقلِّلوا من قيمتها، أن تأخذوها بثمنٍ بخس، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ هذا في الطعام كثيراً ما يقع، يُقدّم طعاماً شبه فاسد، أو في أول فساده، هذا الطعام لا قيمة له عند الله عزَّ وجل، أَطعمْ الفقير طعاماً يشتهيه ويُحبه، أعطه ثياباً يحبُّها، يلبسها مَزْهواً بها، لا تعطه ثياباً يلبسها مستحيياً به، ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ﴾ عن هذا العمل الذي تشوبه النقيصة ﴿حَمِيدٌ﴾ أيضاً لو أنكم أنفقتم نفقةً من كسبكم الحلال من شيءٍ نفيس كان يحمدكم ويُعوِّض عليكم أضعافاً مضاعفةً. 
 

خصائص الشيطان:


إخواننا الكرام؛ يجب أن تتعلم عن خصائص الشيطان: 

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)﴾

[ سورة البقرة ]

حدثنا أخ كان والده من علماء دمشق، قال له: يا بني أدِّب نفسك، قال له: كيف؟ قال له: إذا أردت أن تنفق مئة، ثم جاءك وسواسٌ من الشيطان دعك من هذا الإنفاق، ضُمّْ هذا المال إلى جيبك، عاقب نفسك، كيف تعاقبها؟ أنفق مئتين، كلما جاء الوسواس ليمنعك من أن تُنفق أنفق الضعف بهذا تؤدب النفس وتُعلمها، ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً﴾ يدعوك إلى الزنا، إلى مقارفة الحرام، إلى اقتراف المعاصي والآثام، يدعوك إلى الفحشاء، وإذا أنفقت مالك في سبيل الله أخافك من الإنفاق.

  الله عز وجل أعطى الأنبياء العلم والحكمة لأنه يحبهم:


﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فضله لا يُحَدّ.. 

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

الحكمة أن تعرف الحق، الحكمة أن تعرف المنهج، الحكمة أن تُحسِن التصرف، الحكمة أن تقول كلمةً مناسبةً في الوقت المناسب مع الإنسان المناسب في القدر المناسب، هذه الحكمة، الحكمة أثمن شيءٍ تملكه، إنك بالحكمة تجلب المال وبالحمق تُبَدده، بالحكمة تسعد بامرأةٍ من الدرجة الخامسة وبالحمق تشقى بامرأةٍ من الدرجة الأولى، ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ والحكمة تُؤتَى ولا تؤخذ، تؤتى مكافأةً للمؤمن، ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ أيْ:

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾

[ سورة القصص ]

أعطاه المال وهو لا يحبه، أعطى فرعون المُلك وهو لا يحبه، أما أعطى الأنبياء العلم والحكمة لأنه يحبهم، فينبغي أن يكون عطاؤك من الله عزَّ وجل من نوع عطاء الأنبياء، ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور